الناصرة – «القدس العربي»: طالما شهدت القدس المحتلة مواجهات ساخنة بين الفلسطينيين والمستوطنين وشرطة الاحتلال في موسم الأعياد اليهودية وعلى خلفية زيارات اليهود للحرم القدسي، لكن ما يجري منذ سنوات قليلة يعكس تغييرا في سياسات إسرائيل في هذا المضمار. ولذا تقول صحيفة «يسرائيل هيوم» أن «الشرطة غيرّت سياستها التقليدية حيال الحرم القدسي» وتدلل على ذلك بالقول إنه بدلا من ان تغلق أبوابه أمام الزوار، عقب «أعمال شغب» المسلمين، تقوم الآن بدفعهم لداخل المسجد الأقصى وتبقي الجبل (الحرم) مفتوحا للزوار اليهود. وتعكس هذه الصحيفة التي تعتبر بوقا للحكومة حقيقة التطلعات والجهود الإسرائيلية حيال الحرم القدسي فتحرض على المرابطين في الأقصى وتعتبرهم مشاغبين ومعتدين على اليهود. وتتزايد ضغوط أوساط اليمين والمستوطنين الممثلين في الحكومة بحزب «البيت اليهودي» من أجل تغيير «الوضع الراهن السائد» في الحرم القدسي الشريف. وتوجه هذه الأوساط أصابع الإتهام لشرطة الاحتلال بالفشل في توفير الأمن في القدس لكنها في الواقع تعمل بقوة نحو تحقيق هدف آخر، أخطر وأكبر يتمثل في السماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي ما يعني تقاسم الأقصى دينيا بما في ذلك من دلالات وتبعات سياسية خطيرة جدا. ويكشف ساسة إسرائيل ما يخفيه رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو أو يكتفي بالتلميح له من ناحية ما يبيّت للأقصى في ظل شروط عربية وإسلامية وفلسطينية ربما تكون مواتية لفرض حقائق جديدة في القدس ضمن مسلسل تهويدها. قرار إستراتيجي على سبيل المثال يكشف نائب وزير الأديان، ايلي بن دهان، حقيقة نوايا إسرائيل، فهو يطالب صراحة بتخصيص مكان في الحرم لصلاة اليهود. وتنقل صحيفة «هآرتس» عن دهان، قوله إنه «حان الوقت كي تتحمل الشرطة المسؤولية عن كل ما يحدث في الحرم القدسي» مضيفا «ان حقيقة عدم تمكن اليهود من دخول الحرم والصلاة فيه، هي مسألة لا يمكن احتمالها، وغير قائمة في أي مكان آخر في العالم». وحسب أنظمة بن دهان «يجب تحديد مواعيد يسمح خلالها لليهود بالصلاة في منطقة معينة في ساحة الحرم، كما يتبع في الحرم الإبراهيمي في الخليل». ويقول إنه قدم قبل شهور لرئيس الحكومة نظما مقترحة تتيح لليهود الصلاة في الحرم القدسي لكنه لم يصادق عليها معترفا بأنه يتطلع لتغيير إستراتيجي في المكان. كما تصف رئيسة لجنة الداخلية البرلمانية النائبة ميري ريغف (الليكود) سلوك الشرطة بالعجز طوال سنوات أمام المشاغبين المسلمين في الحرم، والذي أدى لـ «غياب القانون». وتوضح في صفحتها على الفيسبوك إن «الواقع الذي يهاجم فيه المسلمون بشكل متعمد الشرطة ويمارسون العنف لمنع دخول اليهود الى «الجبل» (الحرم) نجم عن عجز الشرطة أمام المشاغبين المتطرفين». بعد سنوات من التمهيد وإطلاق بالونات الإختبار بانتهاكات متكررة للحرم القدسي الشريف ناقش الكنيست للمرة الأولى في حزيران/يونيو الماضي مشروع قانون يتيح لليهود مزاولة شعائر دينية داخل الحرم القدسي بذريعة «المساواة في الحقوق». وتزامن ذلك مع انهيار المفاوضات بين إسرائيل والسلطة ولا فرق هنا بين يمين ويسار، إذ تواصل ريغف بلورة مشروع القانون بتقاسم الأقصى، يشاركها عضو الكنيست حيليك بار(العمل). ويقترح مشروع القانون «مساواة الحق في العبادة لليهود والمسلمين في الحرم القدسي». ويأتي مشروع القانون تتمة لسلسلة مداولات حول تقاسم الأقصى داخل لجنة الداخلية في الكنيست في العام الأخير. من جهته يبدي عضو الكنيست حيليك بار اعتزازه بمشاركته هو كنائب في «حزب العمل اليساري» بتقديم مشروع القانون هذا. زاعما أن الحياة المشتركة بين اليهود والعرب تبدأ في المساواة الكاملة في الحرم القدسي أيضا. ويتابع «كنت قد حرصت على عدم المساس بصلاحيات الوقف الإسلامي في القدس لكن على المسلمين أن يفهموا أن لليهود حقا في الصلاة هناك». ويقول في مقدمة مشروع القانون محاولا تبريره، إنه كإنسان وكصهيوني ووطني يرى في الأماكن المقدسة لليهود صخرة وجودهم وأضاف «من يستصعب في معسكر اليسار صلاة اليهود في الحرم اليوم فسيكون من الصعب عليه غدا الدفاع عن حقوق الشعوب الأخرى». وبغية تخفيف الوطأة يحظر مشروع القانون القيام بمظاهرات أو أي عمل احتجاجي يخل بالهدوء في الحرم القدسي. كما يفرض القانون الذي سيطرح للمداولات والتصويت الشهر المقبل غرامة بقيمة 20 ألف دولار على كل من يحرم إنسانا من ممارسة شعيرة دينية في المكان. حماس و«داعش» وفي محاولة لتخفيف وطأة مثل هذه الخطوة الخطيرة يزعم النائب المتطرف موشيه فايغلين ( الليكود) ان «حماس و»داعش» سيطرا على جبل الهيكل (الحرم)» ساخرا من أقوال رئيس الحكومة بشأن الانتصار على حماس وتحويل رسالة رادعة الى حزب الله وقال «أن هذه المفاخرات تتفجر على صخرة الواقع في جبل الهيكل». ويؤيد رئيس بلدية القدس نير بركات، المطالبين بتغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي زاعما أن ذلك ممكن بالقانون ودون التسبب في الإخلال بالنظام وبانفجار، وفق ما قاله لـ «القناة الإسرائيلية العاشرة». من جهته يؤكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رسميا أنه لا تغيير في الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف، كما جاء خلال استقباله السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون قبل أيام. وبخلاف مزاعم نتنياهو الرسمية تظهر الوقائع على الأرض أن الأقصى يواجه خطر التقسيم مكانيا وزمانيا على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل أكثر من أي وقت مضى، حتى أن جهات حقوقية إسرائيلية تتفهم مخاوف الفلسطينيين من ذلك. وتلاحظ جمعية «عير عميم» الإسرائيلية المختصة بمراقبة انتهاكات المستوطنين في القدس أن جهات يمينية تبذل جهودا غير مسبوقة لتغيير الوضع الراهن في الحرم. وتشير على سبيل المثال لتشكل حركة جديدة من أجل بناء كنيس في الحرم القدسي إضافة لفتح مواقع على الشبكة لخدمة هذه الغاية، فيما خصصت حركة الشبيبة «أرئيل» السنة العبرية الجديدة لفعاليات وزيارات في المكان. يشار الى أن تحقيقا واسعا نشرته الجمعية قد كشف أن هناك 27 جمعية يهودية استيطانية تعمل اليوم ليس فقط من أجل تقاسم الأقصى، بل تعمل على بناء الهيكل الثالث المزعوم بدعم ست وزارات إسرائيلية. وتقول «عير عميم» المختصة في متابعة شؤون القدس المحتلة ورصد انتهاكات الاحتلال لها إن فكرة بناء الهيكل الثالث على حساب المسجدين الأقصى وقبة الصخرة في الحرم القدسي الشريف ظلت طيلة عقود فكرة تراود مجموعة صهاينة مهووسين. لكنها شهدت وما تزال تحولا دراميا خطيرا بدأ منذ نحو عقدين نتيجة اتساع مريديها ودعم المساعي لإخراجها لحيز التنفيذ من قبل جهات يهودية محلية وعالمية ومؤسسات إسرائيلية رسمية. ويشي ذلك بتحّول الإسرائيليين لمجتمع متطرف دينيا وقوميا. تتضح معالم هذا التحول المتفاقم إذا ما أخذنا في الحسبان أن أوساطا مهمة من المؤسسة الحاخاماتية والمدارس الدينية في إسرائيل باتت تتعامل مع الفكرة وتؤيدها بشكل جارف أو مشروط وجزئي، بعدما كانت تعتبر ذلك أمرا محرما وفق الشريعة اليهودية. ويتجلى خروج الفكرة من مرحلة التخيلات والأحلام لمرحلة البدء بإجراءات عملية عبر نشاط 27 جمعية تعنى بالهيكل الثالث، بازدياد عمليات اقتحام الجماعات الدينية للحرم القدسي والقيام بممارسة شعائر دينية تبلغ حدّ التبرك بالمكان. ووفق معطيات الاحتلال يدخل الحرم القدسي نحو عشرة آلاف يهودي كل عام لكنهم يمنعون من الصلاة قانونيا أيضا. بيد أن المخفي اليوم أعظم وأشد خطورة، كمّا وكيفا، حيث يكشف تقرير «عير عميم» أن أوساطا دينية وسياسية تعمل بمنهجية وعلانية وبدعم حكومي مادي ومعنوي سخي من أجل تقصير الطريق بين فكرة الهيكل الثالث (الذي يأتي بناءه بالضرورة على حساب الأقصى) وبين تطبيقها الفعلي. بين هذا وذاك، كان «موتيف» الهيكل المزعوم حاضرا باستمرار في أدبيات الصهيونية التي سعت لدغدغة عواطف اليهود وتنمية حنينهم للبلاد لدواع سياسية في سياق النسج غير المتردد للأساطير. بقرة حمراء مع ذلك تستبعد «عير عميم» مصادقة نتنياهو على إجراء أي تغيير في الواضع الراهن الآن بسبب الضغط الدولي الكبير وتخوف الجهات الأمنية من اندلاع مواجهات عنيفة. لكنها تعتقد أن الحديث يدور عن مشروع طويل الأمد يستند لفكرة «الخطوة خطوة» في انتظار اللحظة المناسبة لتطبيق المخططات. ولذا فإن جمعيات يهودية تعمل بشكل متواصل لتحضير كل ما يلزم من أجل بناء الهيكل من أدوات الطقوس المقدسة لكنها ما زالت تبحث عن بقرة حمراء اللون كما تقتضي التقاليد اليهودية. وديع عواودة