إن ما نسطر هنا من نواقص وسلبيات لا تعني البتة أن القطاع محل التأمل والنقد الجاد، لا توجد به إيجابيات أو إحراز لمصلحة المجتمع أو الدولة، قول ذلك فيه تجاهل وغمط.
فرجال الأعمال خصوصا في حيز القطاع الخاص ساهموا في خلق هذا المجال الخصوصي، وبأسلوب لا يخلو من مبررات النقص والتلاعب، وساهموا في قضاء بعض الحاجات الاجتماعية، وعبر ضرائبهم دفعوا مستوى السيولة في الخزينة العمومية بصورة معتبرة، وهذا مهم إن تم من ريع حلال ومع أداء الزكاة، وهذا الاعتراض الأكثر ورودا وترددا في حالات بعضهم وربما جلهم لا كلهم طبعا.
هذا إلى جانب تعويقهم وتقويضهم تقريبا لمهنة الصحافة ولحيادية العمل السياسي عموما.
فالسياسة، خصوصا منذ مطلع التسعينات، مع ظهور التعددية تدخلوا فيها بأساليب تأثيرهم المتنوع، من الترغيب والترهيب غالبا لأصحاب الدخل المحدود أو المعدوم غالبا.
فلم يترك كبار الملاك للناس من كرامة تقريبا، فأولى حرية الاختيار والنظر والتقدير والمبادرة الحرة، بشكل مطلق صحيح نقي.
ولم يتركوا للإعلاميين غالبا من فضاء دون تهديد في أرزاقهم ومصالحهم المادية المحدودة.
حتى أضحى الإعلام المستقل الحر، مع أساليب التجار وأساليب السلطة بشكل كبير، يكاد يكون أكبر منه الدور السلبي للتجار المعوق لحرية الكتابة وماهية ومحتوى الخبر المنشور، كما أن مستوى حرية التعقيب عليه، شيء من المحال النادر على الأقل.
ومن المؤلم أن رجال أعمال موريتانيا وتجارها الكبار جلهم مصرون على الربا، بدعوى أو بأخرى، ورغم أهمية الخطوة التي قام بها البعض في الاتجاه الإيجابي للتخلص من المعاملات غير الشرعية، إلا أن هذا التوجه الهام مازال يحتاج إلى المزيد من التفعيل ووعي الحساسية المفرطة تجاه هذه الموبقة، المسماة بالربا.
فهي مصدر مؤذي للإنسانية بطرق امتصاص الدماء الواضحة، من خلال الربا، والمرهقة فعلا إلى أقصى حد للأفراد والمجتمعات!!!.
ألا يكفي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن أبسط عمليات الربا هي أخطر من 38 زنية بأمه (من قبل فاعل الربا نفسه) على ظهر الكعبة والعياذ بالله تعالى؟؟؟!!!.
إن الربا هو الهلاك بعينه، ومع ذلك يتعاطاه رجال أعمالنا والأفراد العاديون بصورة تلقائية، وبحجج متنوعة أو بغير حجج أحيانا، ضمن حرب صريحة، والله تعالى يقول في هذا الصدد: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .
إن الحذر جدير بالمضاعفة والتطبيق، هروبا من الربا في تصرفات رجال أعمالنا وغيرهم.
فلقد أصبح الربا مسألة عادية في حياتنا والعياذ بالله تعالى.
ورب الكعبة إن سقوط الحاجز وتحطمه كليا تقريبا بين الخوف منه وممارسته على نطاق واسع عمليا في بلادنا، بدون شك هو مصدر أكثر البلايا والرزايا.
فهل يراجع أهل المال أنفسهم فيقلعوا جماعيا وفوريا، عسى أن يكون ذلك منطلق الخير والتوبة النصوح الجماعية الملحة المفقودة حتى الآن.
وعود على باب شراء الذمم في سياق هذا الموضوع المتشعب، يلاحظ تمكن بعض رجال الأعمال من إجهاض المشروع الإعلامي المستقل نظريا، فأي موقع -في الغالب الأعم- أو جريدة لا تستطيع المساس من جناب فلان أو علان من رجال الأعمال "الوطنيين".
حتى أضحى المجال الإعلامي مغلقا ضعيفا، من عدم استقلالية مصادر عيش أغلب الزملاء، وطمعهم الزائد.
فتحول طمع بعضهم إلى منفذ حقيقي متزايد، للتحكم فيما بين أيديهم من إعلام هزيل، ولو ادعى بعضنا ادعاءا زائفا أنه إعلام مستقل حرا، وهو حر في الواقع، في أغلب الأحيان في التصفيق والتزلف والصمت غالبا في أحسن الخيارات، وتجنب الحز في المفصل من صنوف الحدث الوطني.
ولا يكاد يطرق موضوع بأمانة وجرأة وصدق، إلا وأخرج سلاح "الموضوعية المقيدة"، أو سلاح القول، هذا: "صحفي فاشل متحامل متطرف"، أو أسلحة المخابرات الكثيرة، بالتحريض والحرمان والحصار بمختلف صنوفه.
ومن الجدير بالذكر أن بعض الزملاء شرطة مدنية فحسب، بلباس إعلامي، ويتلقون رواتب منتظمة –حسب رواية البعض- من جهاز الأمن ويرسلون في المهام!.
وما أكثر الجواسيس الذين لا يهابون حرمة ولا حدودا غالبا في جسمنا الصحافة المخترق بإمتياز!.
فهي المهد الأول –أي الصحافة- لهيمنة بعض التجار الخبثاء، الذين اشتروا ذمم بعض الإعلاميين بأموالهم وتهديدهم أحيانا، واستحوذت المخابرات على الباقي تقريبا، ومن ثم القبيلة، إلا من رحم ربك من هذا الهوان، الذي حل على نطاق واسع في ميدان الإعلام والإعلاميين للأسف البالغ، ولذلك أسبابه الموضوعية وغير الموضوعية، لكنه يمثل استغلال الجميع لهذه المهنة الضعيفة وحاجة الصحفيين الملحة لقوت يومهم، الذي غالبا ما يحصلون عليه على حساب كرامتهم ومهنتهم الفاشلة، للأسف البالغ أيضا.
ومن منا لا يعرف "صحافة بوليس" وصحافة بعض القضاة وصحافة الدرك وصحافة سنيم وصحافة بوعماتو، وهي من أهم جيوشه الفعالة، وبثمن بخس، وعلى حساب الزملاء أيضا أحيانا، وذلك لحماية إسمه ومصالحه المتعددة، في هذا البلد المنهار الهش.
ومن منا لا يعرف بالأسماء أيضا، ومن مختلف الرتب الإعلامية، صحافة الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لقظف، وصحافة عينينه ولد اييه، وصحافة غيرهم وغيرهم.
فكلهم ينفق، وخصوصا من أهل المال الخصوصي، وكذلك العمومي، إلى جانب الأجهزة الأمنية المختلفة للحصول على نصيبه من صحافتنا الفقيرة المبتذلة، في أغلبها.
وأقول بمرارة إنه صحافة التسول والإرتهان لبعض رجال الأعمال والسلطة والمخابرات خصوصا، على حساب ما وجدت من أجله، على الصعيد النظري، ويبقى التعريف النظيف للصحفي، حسب قانون الصحافة الحالي والمعدل رغم نواقصه (هو الشخص المخول بالحصول على الخبر ومعالجته دون ضغوط أو مخاطر)، لكن المخاطر والضغوط بوجه خاص صنعت مني أنا الصحفي وأتكلم هنا نيابة عن الأغلبية مسخا "بشمركيا" لم ينجح إلا لماما، وهذا لا يعني أن الصحافة ليست لها إيجابيات معتبرة، تذكر فتشكر، لكنها بعيدة مما نصبو إليه، خصوصا إذا توفر لنا مصدر مستقل للعيش الكريم وللحصول بحرية على الخبر الصحيح، عسى أن تكون معالجته فعلا يوما ما دون ضغوط أو مخاطر!.
وباختصار لم تنجح موريتانيا حكومة وشعبا ولا قطاعا إعلاميا في كسب مولود سليم، ولو تدرج إلى النجاح تدريجيا، وإنما بقيت صاحبة الجلالة في خدمة رجال الأعمال والقبائل والمخابرات بالدرجة الأولى، خدمة لمصالح الكتاب والصحفيين عموما -بصورة مادية مباشرة- قبل خدمة الشعب والأهداف والمبادئ السامقة الرفيعة، وفي المقابل طبعا خدمة رجل الأعمال معين ومسمى معين قبلي طبعا، وجهاز أمني معين، ومفوض معين أو جنرال أو ضابط معين باسمه.
وكل هذا طبعا تختفي فيه الحقيقة، في طيات رشوة الأقلام، ويقع النصيب الأكبر من شراء الذمم الإعلامية على عاتق بعض رجال الأعمال، ممن يعانون من أخطاء جمة، وأصحاب مصالح كبيرة، فلا يريدون للفضائح أن تظهر أو للمصالح أن تمس، ولو لماما عابرا.
فهل يفكر الإعلاميون يوما في محاولة الانعتاق المكلف، المريح أخلاقيا للضمير والكرامة، بغض النظر عن ما يحتاجه الأمر من صبر وتكيف مع جو جديد مفقود غالبا، في ساحتنا الإعلامية المستلبة، لكنه ملح ومفيد للوطن والشعب قبل زيد أو عمرو، فليس أهم من الصالح العام.
ومهما حصل من مكاشفة، فليذهب ذلك الأثر السلبي المؤقت، حسب التصور الخاطئ للبعض، ثم ترسو سفينة الإعلام على نمط الممارسة الإعلامية الحيادية الصادقة الجريئة، دون إفراط أو تفريط، ويتكيف الجميع، رجال الأعمال وغيرهم، مع الحالة الإعلامية المرتقبة الصارمة الناجعة فعلا، والتي ستتجسد يوما ما مهما طال هذا العهد "الإعلامي" المخترق المستغل على أشنع الحالات وأقبحها.
والوطن والمجتمع في أمس الحاجة إليه، أي التجديد والإصلاح.
وكذلك في باب شراء ذمم الناخبين والمواطنين عموما، وذوي الحاجة منهم بوجه خاص، ما ترك رجال الأعمال هذا المنحى الخطير، الذي عمت البلوى به، وخصوصا منذ مطلع عهد التعددية، مع مطلع التسعينات.
فتوجه رجال أعمال معاوية من أهله خاصة، ومن غير أهله -بمن فيهم بوعماتو طبعا- إلى شراء الناس وربطهم ربطا بنظام معاوية العسكري الاستبدادي، وكان ذلك سببا قويا في بقاء معاوية في دفة الحكم، لفترة أطول، إلى أن انقلب عليه حارسه، فتوجه إلى رجال الأعمال، تحالفا وصراعا. لأنه يعرف –ضمن خبرته الطويلة بأسرار لعبة الحكم ولو من خلال مهنة الحراسة المهمة جدا- أنه لا يستطيع أن يحكم بصورة مستقرة بدونهم، لخبرتهم في شراء الذمم واحتقار الفقراء والاستهتار بالحقوق، خصوصا حقوق العمال وذوي الأرحام والشعب عموما، ومصادرة آرائهم ومصالحهم عن طريق مال الرشوة الحرام.
قال الله تبارك وتعالى: "وقفوهم إنهم مسؤولون".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزل قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله كيف اكتسبه وفيما أنفقه".
وفي هذا المجال ورط اعل السجاد ولد اعبيدن –عن طريق مصرف ولد بوعماتو- بالديون، وسنرجع للقصة مفصلة، بعد أن طلب من ولد احمين أعمر أن يتصل على السجاد ويدخل عليه مباشرة من سفره في القصر الرئاسي، إبان حملة الدستور، أيام المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الكاذبة.
وسجن عزيز من بعد أعل ونكل بالثلاثة واختلف مع بوعماتو.
كل هذا لا يمكن أن يخلو من مسار النفوذ والهيمنة الكاملة على رجال الأعمال، واستغلالهم في شراء الشعب، وخصوصا فترة الحملات، لاستمرارية الأنظمة الفاسدة الظالمة، المكرسة لشراء البشر وبيع الكرامة بمختلف الصنوف والأنواع، المباشرة وغير المباشرة!!!.
ولاشك أن بوعماتو لم يختلف مع عزيز دفاعا عن الفقراء ومصالح الوطن الموريتاني، وإنما في سياق ضيق نفعي.
فهو فارس معاوية وعزيز واعل وسيدي من قبل، في سياق نوعي من كسب مافيوي للحملات والانتخابات المتعددة، منذ عهد معاوية إلى أن اختلف مع عزيز في وقت متأخر، إبان انتخابات 2009، بعد طول صحبة وتآمر على الجميع، شعبا وصالحا عاما مهدرا مستغلا.
فهل يراجع رجال أعمالنا أنفسهم ويتوبوا عن شراء الإعلام الخصوصي، بوجه خاص وبثمن بخس غالبا، وشراء وجهة عدسات التلفزيوني الوطني الرسمي الهزيل المفضوح، وما ظهر طبعا من الإعلام السمعي والبصري، أغلبه عند بعض رجال أعمال "أولاد بسبع" من أقارب وحلفاء عزيز بوجه خاص.
فذهب كل هذا ببهاء وجه الإعلام الحر والرسمي على السواء، على يد السلطان المستبد والتاجر الخائف على مصالحه، أو من كشف بعض عيوبه، أو استمرار صفقاته أو أسرار تصرفاته عموما!!!.
وليتب رجال أعمالنا أيضا من شراء ذمة الفقير الناخب، والمواطن عموما، للوصول إلى هدف ما.
اللهم هذا بعض كسبهم السلبي الظاهر الجلي، فهل يسارع بعض رجال أعمالنا لمراجعة مساراتهم المختلفة، عسى أن تتحقق بعض أوجه المصالحة الوطنية الشاملة المفقودة؟!.
ولعلها مهزلة واسعة، ساهم فيها الجميع تقريبا، على مستويات متفاوتة، وتحمل كبرها النظام الاستبدادي بجميع أجهزته.
وكان كبار التجار جزء مافيوي يوظف في بعض المهام ضغطا أو طمعا، للحصول على مآرب خاصة انتهازية ربما، للمزيد من الثراء الحرام أو المشبوه في أقل مراتبه للأسف.
رجال أعمالنا والدور المثير (الحلقة الثانية)
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأقصى"
إن ما نسطر هنا من نواقص وسلبيات لا تعني البتة أن القطاع محل التأمل والنقد الجاد، لا توجد به إيجابيات أو إحراز لمصلحة المجتمع أو الدولة، قول ذلك فيه تجاهل وغمط.
فرجال الأعمال خصوصا في حيز القطاع الخاص ساهموا في خلق هذا المجال الخصوصي، وبأسلوب لا يخلو من مبررات النقص والتلاعب، وساهموا في قضاء بعض الحاجات الاجتماعية، وعبر ضرائبهم دفعوا مستوى السيولة في الخزينة العمومية بصورة معتبرة، وهذا مهم إن تم من ريع حلال ومع أداء الزكاة، وهذا الاعتراض الأكثر ورودا وترددا في حالات بعضهم وربما جلهم لا كلهم طبعا.
هذا إلى جانب تعويقهم وتقويضهم تقريبا لمهنة الصحافة ولحيادية العمل السياسي عموما.
فالسياسة، خصوصا منذ مطلع التسعينات، مع ظهور التعددية تدخلوا فيها بأساليب تأثيرهم المتنوع، من الترغيب والترهيب غالبا لأصحاب الدخل المحدود أو المعدوم غالبا.
فلم يترك كبار الملاك للناس من كرامة تقريبا، فأولى حرية الاختيار والنظر والتقدير والمبادرة الحرة، بشكل مطلق صحيح نقي.
ولم يتركوا للإعلاميين غالبا من فضاء دون تهديد في أرزاقهم ومصالحهم المادية المحدودة.
حتى أضحى الإعلام المستقل الحر، مع أساليب التجار وأساليب السلطة بشكل كبير، يكاد يكون أكبر منه الدور السلبي للتجار المعوق لحرية الكتابة وماهية ومحتوى الخبر المنشور، كما أن مستوى حرية التعقيب عليه، شيء من المحال النادر على الأقل.
ومن المؤلم أن رجال أعمال موريتانيا وتجارها الكبار جلهم مصرون على الربا، بدعوى أو بأخرى، ورغم أهمية الخطوة التي قام بها البعض في الاتجاه الإيجابي للتخلص من المعاملات غير الشرعية، إلا أن هذا التوجه الهام مازال يحتاج إلى المزيد من التفعيل ووعي الحساسية المفرطة تجاه هذه الموبقة، المسماة بالربا.
فهي مصدر مؤذي للإنسانية بطرق امتصاص الدماء الواضحة، من خلال الربا، والمرهقة فعلا إلى أقصى حد للأفراد والمجتمعات!!!.
ألا يكفي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن أبسط عمليات الربا هي أخطر من 38 زنية بأمه (من قبل فاعل الربا نفسه) على ظهر الكعبة والعياذ بالله تعالى؟؟؟!!!.
إن الربا هو الهلاك بعينه، ومع ذلك يتعاطاه رجال أعمالنا والأفراد العاديون بصورة تلقائية، وبحجج متنوعة أو بغير حجج أحيانا، ضمن حرب صريحة، والله تعالى يقول في هذا الصدد: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .
إن الحذر جدير بالمضاعفة والتطبيق، هروبا من الربا في تصرفات رجال أعمالنا وغيرهم.
فلقد أصبح الربا مسألة عادية في حياتنا والعياذ بالله تعالى.
ورب الكعبة إن سقوط الحاجز وتحطمه كليا تقريبا بين الخوف منه وممارسته على نطاق واسع عمليا في بلادنا، بدون شك هو مصدر أكثر البلايا والرزايا.
فهل يراجع أهل المال أنفسهم فيقلعوا جماعيا وفوريا، عسى أن يكون ذلك منطلق الخير والتوبة النصوح الجماعية الملحة المفقودة حتى الآن.
وعود على باب شراء الذمم في سياق هذا الموضوع المتشعب، يلاحظ تمكن بعض رجال الأعمال من إجهاض المشروع الإعلامي المستقل نظريا، فأي موقع -في الغالب الأعم- أو جريدة لا تستطيع المساس من جناب فلان أو علان من رجال الأعمال "الوطنيين".
حتى أضحى المجال الإعلامي مغلقا ضعيفا، من عدم استقلالية مصادر عيش أغلب الزملاء، وطمعهم الزائد.
فتحول طمع بعضهم إلى منفذ حقيقي متزايد، للتحكم فيما بين أيديهم من إعلام هزيل، ولو ادعى بعضنا ادعاءا زائفا أنه إعلام مستقل حرا، وهو حر في الواقع، في أغلب الأحيان في التصفيق والتزلف والصمت غالبا في أحسن الخيارات، وتجنب الحز في المفصل من صنوف الحدث الوطني.
ولا يكاد يطرق موضوع بأمانة وجرأة وصدق، إلا وأخرج سلاح "الموضوعية المقيدة"، أو سلاح القول، هذا: "صحفي فاشل متحامل متطرف"، أو أسلحة المخابرات الكثيرة، بالتحريض والحرمان والحصار بمختلف صنوفه.
ومن الجدير بالذكر أن بعض الزملاء شرطة مدنية فحسب، بلباس إعلامي، ويتلقون رواتب منتظمة –حسب رواية البعض- من جهاز الأمن ويرسلون في المهام!.
وما أكثر الجواسيس الذين لا يهابون حرمة ولا حدودا غالبا في جسمنا الصحافة المخترق بإمتياز!.
فهي المهد الأول –أي الصحافة- لهيمنة بعض التجار الخبثاء، الذين اشتروا ذمم بعض الإعلاميين بأموالهم وتهديدهم أحيانا، واستحوذت المخابرات على الباقي تقريبا، ومن ثم القبيلة، إلا من رحم ربك من هذا الهوان، الذي حل على نطاق واسع في ميدان الإعلام والإعلاميين للأسف البالغ، ولذلك أسبابه الموضوعية وغير الموضوعية، لكنه يمثل استغلال الجميع لهذه المهنة الضعيفة وحاجة الصحفيين الملحة لقوت يومهم، الذي غالبا ما يحصلون عليه على حساب كرامتهم ومهنتهم الفاشلة، للأسف البالغ أيضا.
ومن منا لا يعرف "صحافة بوليس" وصحافة بعض القضاة وصحافة الدرك وصحافة سنيم وصحافة بوعماتو، وهي من أهم جيوشه الفعالة، وبثمن بخس، وعلى حساب الزملاء أيضا أحيانا، وذلك لحماية إسمه ومصالحه المتعددة، في هذا البلد المنهار الهش.
ومن منا لا يعرف بالأسماء أيضا، ومن مختلف الرتب الإعلامية، صحافة الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لقظف، وصحافة عينينه ولد اييه، وصحافة غيرهم وغيرهم.
فكلهم ينفق، وخصوصا من أهل المال الخصوصي، وكذلك العمومي، إلى جانب الأجهزة الأمنية المختلفة للحصول على نصيبه من صحافتنا الفقيرة المبتذلة، في أغلبها.
وأقول بمرارة إنه صحافة التسول والإرتهان لبعض رجال الأعمال والسلطة والمخابرات خصوصا، على حساب ما وجدت من أجله، على الصعيد النظري، ويبقى التعريف النظيف للصحفي، حسب قانون الصحافة الحالي والمعدل رغم نواقصه (هو الشخص المخول بالحصول على الخبر ومعالجته دون ضغوط أو مخاطر)، لكن المخاطر والضغوط بوجه خاص صنعت مني أنا الصحفي وأتكلم هنا نيابة عن الأغلبية مسخا "بشمركيا" لم ينجح إلا لماما، وهذا لا يعني أن الصحافة ليست لها إيجابيات معتبرة، تذكر فتشكر، لكنها بعيدة مما نصبو إليه، خصوصا إذا توفر لنا مصدر مستقل للعيش الكريم وللحصول بحرية على الخبر الصحيح، عسى أن تكون معالجته فعلا يوما ما دون ضغوط أو مخاطر!.
وباختصار لم تنجح موريتانيا حكومة وشعبا ولا قطاعا إعلاميا في كسب مولود سليم، ولو تدرج إلى النجاح تدريجيا، وإنما بقيت صاحبة الجلالة في خدمة رجال الأعمال والقبائل والمخابرات بالدرجة الأولى، خدمة لمصالح الكتاب والصحفيين عموما -بصورة مادية مباشرة- قبل خدمة الشعب والأهداف والمبادئ السامقة الرفيعة، وفي المقابل طبعا خدمة رجل الأعمال معين ومسمى معين قبلي طبعا، وجهاز أمني معين، ومفوض معين أو جنرال أو ضابط معين باسمه.
وكل هذا طبعا تختفي فيه الحقيقة، في طيات رشوة الأقلام، ويقع النصيب الأكبر من شراء الذمم الإعلامية على عاتق بعض رجال الأعمال، ممن يعانون من أخطاء جمة، وأصحاب مصالح كبيرة، فلا يريدون للفضائح أن تظهر أو للمصالح أن تمس، ولو لماما عابرا.
فهل يفكر الإعلاميون يوما في محاولة الانعتاق المكلف، المريح أخلاقيا للضمير والكرامة، بغض النظر عن ما يحتاجه الأمر من صبر وتكيف مع جو جديد مفقود غالبا، في ساحتنا الإعلامية المستلبة، لكنه ملح ومفيد للوطن والشعب قبل زيد أو عمرو، فليس أهم من الصالح العام.
ومهما حصل من مكاشفة، فليذهب ذلك الأثر السلبي المؤقت، حسب التصور الخاطئ للبعض، ثم ترسو سفينة الإعلام على نمط الممارسة الإعلامية الحيادية الصادقة الجريئة، دون إفراط أو تفريط، ويتكيف الجميع، رجال الأعمال وغيرهم، مع الحالة الإعلامية المرتقبة الصارمة الناجعة فعلا، والتي ستتجسد يوما ما مهما طال هذا العهد "الإعلامي" المخترق المستغل على أشنع الحالات وأقبحها.
والوطن والمجتمع في أمس الحاجة إليه، أي التجديد والإصلاح.
وكذلك في باب شراء ذمم الناخبين والمواطنين عموما، وذوي الحاجة منهم بوجه خاص، ما ترك رجال الأعمال هذا المنحى الخطير، الذي عمت البلوى به، وخصوصا منذ مطلع عهد التعددية، مع مطلع التسعينات.
فتوجه رجال أعمال معاوية من أهله خاصة، ومن غير أهله -بمن فيهم بوعماتو طبعا- إلى شراء الناس وربطهم ربطا بنظام معاوية العسكري الاستبدادي، وكان ذلك سببا قويا في بقاء معاوية في دفة الحكم، لفترة أطول، إلى أن انقلب عليه حارسه، فتوجه إلى رجال الأعمال، تحالفا وصراعا. لأنه يعرف –ضمن خبرته الطويلة بأسرار لعبة الحكم ولو من خلال مهنة الحراسة المهمة جدا- أنه لا يستطيع أن يحكم بصورة مستقرة بدونهم، لخبرتهم في شراء الذمم واحتقار الفقراء والاستهتار بالحقوق، خصوصا حقوق العمال وذوي الأرحام والشعب عموما، ومصادرة آرائهم ومصالحهم عن طريق مال الرشوة الحرام.
قال الله تبارك وتعالى: "وقفوهم إنهم مسؤولون".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزل قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله كيف اكتسبه وفيما أنفقه".
وفي هذا المجال ورط اعل السجاد ولد اعبيدن –عن طريق مصرف ولد بوعماتو- بالديون، وسنرجع للقصة مفصلة، بعد أن طلب من ولد احمين أعمر أن يتصل على السجاد ويدخل عليه مباشرة من سفره في القصر الرئاسي، إبان حملة الدستور، أيام المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الكاذبة.
وسجن عزيز من بعد أعل ونكل بالثلاثة واختلف مع بوعماتو.
كل هذا لا يمكن أن يخلو من مسار النفوذ والهيمنة الكاملة على رجال الأعمال، واستغلالهم في شراء الشعب، وخصوصا فترة الحملات، لاستمرارية الأنظمة الفاسدة الظالمة، المكرسة لشراء البشر وبيع الكرامة بمختلف الصنوف والأنواع، المباشرة وغير المباشرة!!!.
ولاشك أن بوعماتو لم يختلف مع عزيز دفاعا عن الفقراء ومصالح الوطن الموريتاني، وإنما في سياق ضيق نفعي.
فهو فارس معاوية وعزيز واعل وسيدي من قبل، في سياق نوعي من كسب مافيوي للحملات والانتخابات المتعددة، منذ عهد معاوية إلى أن اختلف مع عزيز في وقت متأخر، إبان انتخابات 2009، بعد طول صحبة وتآمر على الجميع، شعبا وصالحا عاما مهدرا مستغلا.
فهل يراجع رجال أعمالنا أنفسهم ويتوبوا عن شراء الإعلام الخصوصي، بوجه خاص وبثمن بخس غالبا، وشراء وجهة عدسات التلفزيوني الوطني الرسمي الهزيل المفضوح، وما ظهر طبعا من الإعلام السمعي والبصري، أغلبه عند بعض رجال أعمال "أولاد بسبع" من أقارب وحلفاء عزيز بوجه خاص.
فذهب كل هذا ببهاء وجه الإعلام الحر والرسمي على السواء، على يد السلطان المستبد والتاجر الخائف على مصالحه، أو من كشف بعض عيوبه، أو استمرار صفقاته أو أسرار تصرفاته عموما!!!.
وليتب رجال أعمالنا أيضا من شراء ذمة الفقير الناخب، والمواطن عموما، للوصول إلى هدف ما.
اللهم هذا بعض كسبهم السلبي الظاهر الجلي، فهل يسارع بعض رجال أعمالنا لمراجعة مساراتهم المختلفة، عسى أن تتحقق بعض أوجه المصالحة الوطنية الشاملة المفقودة؟!.
ولعلها مهزلة واسعة، ساهم فيها الجميع تقريبا، على مستويات متفاوتة، وتحمل كبرها النظام الاستبدادي بجميع أجهزته.
وكان كبار التجار جزء مافيوي يوظف في بعض المهام ضغطا أو طمعا، للحصول على مآرب خاصة انتهازية ربما، للمزيد من الثراء الحرام أو المشبوه في أقل مراتبه للأسف.